الوداع ....
ونتوراى خلف السطور، نحتمي بالمحبرة، نلوذ بزوايا الورق؛ لعلنا نفلت من جرأة القلم على فتق جراحنا و إعادة تحبيرها مرة بعد مرة؛ كلما مرت على اسماعنا هذه الكلمة.
ويح هذا الحزن الثقيل الذي يستوطن اضلعكِ، اقسم أنه مهلككِ لا محالة، ولن تنجو هذه الشغاف مهما بدت متماسكة من حد سكينه التي لم تفتأ تمر بنصلها عليها. ويوما ما سينهار كل شيء حين لا يبقى للصبر موضع و لا للتحمل طاقة!
ليس أمرّ من وداع الميت إلا فكرة عدم توديعه!!
ان تبقى عالقا في المنتصف ، هل تتقدم وتلقي نظرتك الاخيرة على جسده المسجى أمامك أم تحجم وتضعف و تخور قواك فتجلس القرفصاء باكيا، مستجديا أياهم أن يأخذوه بعيدا عن عينيك التي لا تقوى على رؤية ذلك الكفن!
هل تتجلد للنائبات و تتعلق بأطراف الصبر و تنثني على الكفن تمطره بوابل من القبل و الدموع أم تخيط جرحك بيدك و تتسمر في مكانك دونما حراك و تقول: اذهبوا.. فلا طاقة لي برؤيته مغمض العينين لا يرتد إليه طرفه!!
إنّ وداع الميت لا يشبه أي وداع آخر، و داع يذهب من عينك نور الحياة و ظلامها فتشعر أن أيامها و لياليها بلا لون ولا طعم ولا حياة ، وسيتوقف الزمن بك في تلك اللحظة ويبقى قلبك عالقا فيها للأبد يستحضرها كلما انفتح للذكرى باب، و كلما مر بسمعك اسمه بين الاهل و الاصحاب، بل وحتى الاغراب!!
الوداع يا صديقي يصنع في الصدر صدع لايزال يتسع و يتمدد بمرور الأيام و الشهور و الاعوام ، يأبى عليك الإلتئام ، فتعيش بصدر مصدوع،و قلب من الحزن مفطور، وجسد أوهنه الارق الذي مازال منذ ليلة الوداع المشؤومة وهو يترقرق في عينيك فلا تهنأ بالنوم إلا بعد الغرق في بحر الذكريات وما خلا من ايام كان فيها المودّع ملئ السمع والبصر..
ويح نفسي كيف بات الصحابة رضوان الله عليهم ليلتهم تلك بعد أن تناهى إلى سمعهم فقد حبيبهم -صلى الله عليه وسلم- و كيف صبروا و صابروا بعد فراقه ...
ولعل مصابي به صلى الله عليه وسلم أعظم من مصابي بأخي وبهذا نسليّ النفس ونعزيها ...
اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة ... وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة ... هذا سبيل لست عنه بأوحد
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق