السبت، 3 مايو 2025

صفحات مشرقة من تاريخ أمير المشرق.. خالد بن عبدالله القسري

 


عند القراءة في التاريخ الإسلامي تجد أن الأفكار المسبقة والانحيازية والأنماط الجامدة قد تسللت إلى مختلف النصوص التاريخية ومثالاً على ذلك ما تراه في معظم دواوين التاريخ من انتقاص وتشويه لتاريخ الدولة الأموية وتضخيم للسلبيات وإغفال الإيجابيات بل ومحاولة طمسها. وما ذلك إلا نتيجة للنمط التقليدي للكتابة التاريخية القائم على سرد الوقائع وجمعها في مصنفات ومجلدات دون كثير اهتمام بـ الجانب النقدي لهذه الوقائع والاخبار خاصة تلك التي تتصل بالهوى الأيديولوجي الشعوبي وما أكثرها.

يقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه تنقية أصول التاريخ الإسلامي: (مصادرنا القديمة – بصورة عامة – لا تنصف بني أمية،  بل إن المؤلفين في الغالب لا يرضون عنهم، ويرون أنهم ظلمة وجبابرة ، ويذهب البعض إلى اتهامهم بالكفر، حتى أولئك الذين يذكرون فتوحهم وما أضافوا إلى أرض الاسلام، وهو يزيد في مجموعه على ما تم فتحه في العصر الراشدي، حتى هؤلاء يشتدون في الحكم على بني أمية، ولا يخطر ببالهم أن يضعوا الحسنات إلى جانب العيوب والإيجابيات إلى جانب السلبيات، ثم يكون حكمهم بعد ذلك على هذا الاساس). وهذا التشويه والظلم لم يقتصر على خلفاء الدولة الأموية بل شمل ولاتهم المبرزين الذين كانوا على قدر عال من القابلية الإدارية والكفاءة القيادية وممن طال سيرتهم التشويه حتى وصموه بالكفر والزندقة؛ أمير المشرق كما يصفه ابن تيميه: خالد بن عبد الله القسري رحمه الله. هذا الأمير الأموي ذو التاريخ الزاخر بمواقف مشهوده في محاربة الأفكار الهدامة، والحركات الخارجية، وأعماله الجليلة في البناء والأعمار. فلماذا اضطربت المصادر التاريخية في ايراد سيرته؛ وما أسباب هذا التشويه الذي وصل حد التكفير والزندقة؟؟ وما علاقة صاحب كتاب الأغاني فيما تداوله المؤرخون حول سيرة خالد القسري؟

أمير مكة والعراقين.. الذي ظلمه التاريخ

 أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري؛ أحد خطباء العرب وأجوادهم أمير العراقين[1] لهشام وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان. هذا الأمير الذي ظلمته الروايات التي حرفت عمدا أو شوهت سهوا أو حتى اختلقت اختلاقا من مزوري التاريخ، أنصفته الآثار الباقية غير القابلة للتحريف التي تعد سجلا تاريخيا حياً وشاهدا ماثلا على ما قام به من جهود في خدمة البلد الحرام.


أولا: آثاره في مكة والعراقين

سد الثقبة ” سد القسري”

أقامت الدولة الأموية خمسة سدود في مكة لحماية المسجد الحرام والمشاعر المقدسة من فيضان السيول في مواسم الامطار، اثنان منها كانت على يد خالد القسري وقبله ثلاثة سدود على يد الحجاج بن يوسف الثقفي بين عامي (73 – 75هـ).

أما السدود التي انشأها خالد القسري فبقي من آثارها سد الثقبة وحول موقع هذا السد يقول رئيس مركز تاريخ مكة المكرمة الدكتور فواز بن علي الدهاس: (يقع سد القسري في حي العدل، فبعد الرجوع لكتب التاريخ الموثقة اتضح أن هذا الموقع بني فيه “سد القسري” بركة القسري أو عين الثقبة حيث أمر به الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك في أواخر القرن الأول للإسلام أي قبل 1351 عاماً، ويبعد السد عن جبل ثبير الشاهق 500 متر ولا زالت آثاره قائمة إلى اليوم بسفح جبل ثبير الغربي حيث عملها بحجارة منقوشة ضخمة واحتضنت ماءها في ذلك الموقع ثم أجرى الماء بقصبا وقنوات من رصاص امتدت حتى وصلت إلى المسجد الحرام ما بين المقام وزمزم حيث وضع لها حوضاً تصب فيه)[2]. وأما فيما يروى عن أعماله الاخرى بمكة فهو أول من أدار صفوف الصلاة حول الكعبة وأول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف كما قال سفيان بن عيينه. ومما يذكر من أعماله الجليلة ضرب الدراهم وإجادة تخليصها في أيام هشام بن عبدالملك وفي هذا يقول ابن الاثير: “أول من شدد في أمر الوزن وخلص الفضة أبلغ من تخليص من قبله عمر بن هبيرة ثم خالد القسري ثم يوسف بن عمر الثقفي..، وكانت الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بني أمية ولم يكن المنصور يقبل في الخراج غيرها”

أعماله وانجازاته في العراقين

أقام سدا على دجلة لرفع مناسيب المياه وتحويله إلى مجراه القديم ليخفف الضغط على البطائح. وحفر نهر المبارك بالبصرة وحفر أيضا نهر الصلح ونهر خالد، وباجرى ، وتارمانا ، والجامع ، وكورة سابور.

ثانيا: مواقفه المشهودة من أهل البدع وتصديه للمبتدعة ومدعّي النبوة

تصدى خالد القسري لعدد من أهل الضلال الذين أظهروا الكفر والزندقة في عهده ومنهم المغيرة البجلي الذي كان رافضيا خبيثا، أدعى النبوة وفضّل علي على الأنبياء كما ذكر الذهبي، وقد صلبه خالد وأنهى فرقته التي تدعى بالمغيرية. وتصدى أيضا للأحمسي الذي خرج عليه بالكوفة داعيا لمحمد بن عبدالله بن الحسن  وكان يقول هو المهدي! فظفر به وبأصحابه. وممن أظهر الكفر والزندقة الجعد بن درهم الذي زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ ابراهيم خليلا فكان له خالد القسري بالمرصاد فضحى به يوم الأضحى في خطبته المشهورة التي قال فيها: أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما…)

فكيف يتهم من هذا حرصه على الدين والعقيدة في دينه ويرمى بالكفر ظلما وبهتانا!!

 

2023/5/12


[1] جمعت له ولاية الكوفة والبصرة

[2] https://sabq.org/saudia/wzxw9f

محمود الملاح حضور الوعي وغياب المشروع (1)

 


يقول الدكتور طه الدليمي: “غيبوبة الوعي ثم غياب المشروع هما مشكلة المشاكل لدى أهل السنة”.

هذه النظرة الشاملة في تشخيص العلة التي يعاني منها الفكر السائد تنم عن إدراك عميق لمشكلات الحاضر واتخاذها كمنطلق للبحث والتفكير لإيجاد حلول لهذه المشكلات التي ينوء بحملها الواقع السني بكل فئاته ومكوناته الاجتماعية. لذا نجده يذكر هذا المعنى بدقة في مقدمة كتابه (منهاجنا) تحت فقرة الفكرة والمنهج حيث يقول: (إن الفكرة النابعة من المعاناة التي يشهدها الواقع، وما يترتب عليها من منهج علمي وبرنامج عملي.. هي أساس وعماد كل مشروع.)[1].

وهذا التشخيص الدقيق لا ينبغي أن يغيب عن كل من يعمل في هذا الميدان فالفكرة لا بد أن تكون نابعة من الواقع وضمن مشروع ومؤسسة حاضنة تحمي الجهود وتعمل على ديمومة الأفكار واستمراريتها!

شاهد من ذاكرة التاريخ القريب

في ذاكرة التاريخ القريب جدا شاهد حي على صواب هذا التشخيص، ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي – وربما قبل ذلك – تصدى لغيبوبة الوعي التي طالت المجتمع السني في المشرق العربي عامة وفي العراق على وجه الخصوص مفكر كبير وعلامة نحرير لم ينخدع بالدعوات الشائعة في ذلك الوقت حول الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب كما يزعم الناعقون بها.. إنه المفكر والأديب الموصلي محمود الملاح رحمه الله، الذي لم يكتب لفكره الإصلاحي الاستمرار لفقدان المشروع الناظم لكل تلك الجهود التي بذلها في سبيل توعية المجتمع السني! بل لقد طال انتاجه الفكري والادبي الكثير من الإهمال والتجاهل حتى قال أحد الباحثين في شعر الملاح: “أسجل هنا بكل أسف أنَّ الشاعر (الملاح)، لم يُمنح القيمة اللازمة له في عصره، وما زال شبابنا لا يعرفه..”[2].

عن هذا الإهمال، بل ومحاولات الطمس والتغييب لهذا المفكر يقول الشيخ عمرو عبدالمنعم سليم في مقدمته لمجموعة “رسائل ومؤلفات الأستاذ محمود الملاح” التي قام بجمعها وإصدارها في ثلاثة مجلدات: (تتبع أخي الدكتور خالد الزهراني مؤلفات الملاح في كثير من مكتبات العالم، وللأسف مع أن فضيلته كان يجدها مثبته في فهارس تلك المكتبات، إلا أنه لا يجد لها أثراً عند طلب تصويرها، أو الاطلاع عليها، فهي إما مفقودة، أو (غير موجودة)، أو قد وضع بدلا منها كتاباً آخر بنفس الاسم ولمؤلف آخر)!

وقبل أن نفصل في الحديث عن هذا المفكر الكبير سنتوقف قليلا لدراسة عصره وماهية هذه الدعوات التي تصدى لها بحزم، وأسباب اغترار بعض النخب في الصف السني بها.

الوحدة الإسلامية وفكرة التقريب بين المذاهب

 شاع في العراق – بعد تأسيس الدولة الوطنية الحديثة في(1921) الدعوة إلى الوحدة الإسلامية فظهرت أصوات تدعو إلى التقريب بين المذاهب من داخل الوسط الشيعي، زاعمةً أنها ترغب بالوحدة والتسامح مع الآخر، والتحاور وفق أرضية مشتركة للوصول إلى حلول بنّاءة ومُثمرة. لقيت هذه الدعوة قبولا في الوسط السني فقد كان هناك أصوات سنية تدعو أيضا للتقريب والوحدة بين المذاهب وهي فكرة ورثوها من جمال الدين الأفغاني صاحب فكرة “الجامعة الإسلامية” للتقريب بين السنة والشيعة وعن طريق العلاقة السلالية الفكرية كما يقول الدكتور طه الدليمي “انتقلت فكرة (الجامعة الإسلامية) من الأفغاني إلى البنا عبر محمد عبدة ورشيد رضا”.

“يمكن تقسيم محاولات التقريب هذه إلى: محاولات فردية ومحاولات جماعية كان من نتائجها: دار الإنصاف وأيضا دار التقريب بين المذاهب الإسلامية”[3].

وقد دعمت هذه المساعي التقريبية من خلال الزيارات التّي قام بها علماء الشيعة من إيران لمصر منها: زيارات عبد الحسين شرف الدين الذّي بادر بالحوار مع شيخ الأزهر آنذاك سليم البشري (سنة 1910)، وتناقش معه في بعض القضايا الخلافية. ثم زيارة محمد حسين آل كاشف الغطاء (سنة 1911) الذي سافر إلى مصر وتحاور مع علماء الأزهر. وزيارة عبد الكريم الزنجاني (سنة 1936) الذّي تناقش في زيارته مع شيخ الأزهر مصطفى المراغي حول تحسين العلاقات بين المسلمين. وأيضا زيارات الشيخ محمد جواد مُغنية ومُرتضى عسكري ومحمد واعظ زادة وهادي خسروشاهي وغيرهم من الذّين ساهموا في دفع عجلة التقريب إلى الأمام[4].

ونتج عن هذه الزيارات “دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة” التي يقول فيها الشيخ ناصر القفاري في كتابه مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة: “هذه المحاولة دعا إليها شيخ رافضي من قم “بإيران” ويدعى محمد تقي القمي في عام ١٣٦٤هـ تقريباً، واستجابت لدعوته ثلة من علماء مصر، ومن زيدية اليمن، وقد اتخذ لها مقراً في القاهرة باسم «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» ، ثم قامت الجماعة بإصدار مجلة باسم «رسالة الإسلام» لخدمة أغراضها.

وقد حملت إلينا مجلة الأزهر “وثيقة هامة” لأحد كبار أعضاء جماعة التقريب وأحد المشاركين في نشأة “الجماعة” وهو الشيخ عبد اللطيف محمد السبكي عضو جماعة كبار العلماء، يصف لنا نشأة الجماعة وخط سيرها، والهدف الذي تسعى لتحقيقه. يقول: (.. جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، نشط في تكوين هذه الجماعة شيخ شيعي.. يقيم في مصر لعهد قريب أو بعيد، وقد استجاب لدعوته ثلة كريمة من رجالات مصر، ولم يكن يسع مسلماً أن يتخلف عن تلبية الدعوة لتجديد وحدة المسلمين التي هتف بها القرآن أول ما هتف: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).

جذبتني هذه الدعوة، فشرفت بالعضوية المتواضعة بين أولئك الأمجاد، فماذا أجدت جماعتنا وقد مضى عليها أربع سنوات تقريباً؟ نشطت في صدر عهدها إلى تعاقب الاجتماعات، فمرة: للتعارف واختيار الرئيس والوكيل والسكرتير إلخ. ومرة ثانية: لاستقبال ضيف شرقي مسلم سيزور دارنا، دار التقريب، وثالثة: لسماع رسائل وردت من جهات إسلامية، ومن بينها رسالة من النجف – مركز الشيعة – يطلب مرسلوها كلمة تلقى هناك في الذكرى الموسمية للإمام الحسين بن علي رضي الله عنها، ثم يقترح علينا في هذه الجلسة أن تطلب الجماعة إلى الأزهر تدريس الفقه الشيعي إلى جانب مذاهب أهل السنة، ويتوارى الاقتراح في سرعة لأنه قبل أوانه كما همس بذلك من همس. وبعد ذلك توقفت الاجتماعات، وانحصرت الجهود في مجلة تصدرها دار التقريب هذه وتسميها رسالة الإسلام”.

إن المتأمل في هذه الشهادة التي يدلي بها الشيخ السبكي يدرك أن حقيقة الوحدة التي يدعو إليها القوم والتقريب الذي ينادون به ليس إلا وسيلة لنشر التشيع في الوسط السني وتلميع صورته عند جمهور السنة. وقد استهدفوا في دعوتهم هذه الازهر وعلماءه لما للأزهر من مكانة وتأثير في العالم الإسلامي. لكن “وعلى الرغم من قيام الشيعة بتأسيس دار التقريب ومجلتها وجماعتها واستجابة بعض علماء الأزهر لفكرتهم لم نر لدعوة التقريب أي أثر بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير الكاذب لما كان بين الصحابة من خلاف”[5].

انبرى لهذه الدعوى المريبة رجل قلَّ أمثاله في العراق، هو الأستاذ (محمود الملاح) وكان لدعاتها بالمرصاد، خاصة دعاة الوحدة هناك، وعلى رأسهم الشيخ محمد مهدي الخالصي الذي تولى كبر هذه الدعوة الفاسدة في محاولة منه لاختراق الصف السني داخل العراق والترويج للعقيدة الشيعية في المجتمعات السنية بحجة الوحدة والتقارب. لم يقتصر الملاح على بلده، بل وجّه صوت النذير وسهام التحذير إلى الأقطار الأخرى التي تسللت إليها هذه الدعوة المزيفة، لا سيما جمهورية مصر قائلاً في إحدى مقالاته: (إن مستقبل شقيقتنا الكبرى غير مأمون ما دام لدار “التخريب” هناك شؤون وشجون. وقد زحف الخط إلى الشام لما نسي قول الشاعر: أأيقاظ أمية أم نيام؟!).

 لقد كانت دعوات الوحدة ومحاولات التقريب من جانب الشيعة مجرد ستار لنشر التشيع في الأوساط السنية، بينما محاولات التقريب من الجانب السني في تلك الفترة باءت جميعها بالفشل نتيجة للتعنت الشيعي الذي لا يرى طريقا للتقريب إلا أن يوافقهم أهل السنّة في اعتقادهم في الصحابة ويغضوا الطرف عن كل تلك الطوام التي تزخر بها كتبهم.

 فبقيت الدعوات السنية بلا ثمرة ترجى بينما جنى الشيعة من تلك المحاولات التقريبية العديد من الثمار فقد أفادوا من هذه الدعوات في نشر كتبهم وبث دعايتهم والترويج لـ “مذهبهم الخامس” كما يزعمون في ديار أهل السنة!

وما نشأت هذه المفارقة إلا لأن السنة كما قال الدكتور طه الدليمي: “يجهلون التكوينة العقلية والتركيبة النفسية للفارسي. وحين تجهل المنطلقات الفكرية لخصمك ودوافعه النفسية الخفية، فلا تعجب إن تخلفت عنه بسنة ضوئية بحساب الكارثة التي حاقت بك..”.


[1] د. طه حامد الدليمي: منهاجنا، ج1 ، ص: 5 .

[2] محسن الحبيب التونسي: الملاح الشاعر

[3] ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة

[4] زكي الميلاد: http://kalema.net/home/article/view/1373

[5] ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة


 

السبت، 11 يناير 2025

دور الروايات الشعوبية في تشويه سيرة الأمير الأموي خالد القسري

 

ينطلق التاريخ من الوثائق والمصادر الأثرية والمكتوبة، هذا أمر لا شك فيه، وهو ضرورة ملحة بالنسبة للكتابة التاريخية، وبدونه تفقد قيمتها الحقيقية، فيغدو الأمر وكأنه مجرد قصص أسطورية أو روايات مختلقة.

لكن هذه الضرورة الملحة لا بد معها من اتباع أسس وقواعد علمية كالتحري الدقيق للموضوعية، والابتعاد عن الذاتية والإيديولوجية وإلا جاءت مشوّهة ومُشوٍّهة وهذا ما حدث لتاريخ الدولة الأموية؛ فقد لعبت العداوة والبغضاء التي تغذيها الشعوبية دورا هاما في تزوير الحقائق وتشويه المنجزات وكان ممن طالت سيرته الروايات المُشوِّهة الوالي الأموي خالد بن عبد الله القسري الذي ذكرت في المقال السابق نبذة يسيرة عن منجزاته التي خلدها التاريخ كشاهد حق لا يمكن تزويره.


لكن الذي يقرأ في المصادر التاريخية حول سيرة هذا القائد الأموي الفذ يجد تناقضا عجيبا واضطرابا مريبا في تناول المؤرخين لسيرته ما بين مادحٍ وقادح. ثم ما إن تتبع أمر هذا الاضطراب والتناقض حتى ينكشف لك طرف منه لتدرك أن للشعوبية يد طُّولَى في هذا التناقض؛ فقد تأثر المؤرخون بما نقله صاحب كتاب الأغاني ابي الفرج الأصفهاني الشيعي الشعوبي الذي اعتمد في ترجمته للقسري على الكذابين والمجروحين وذلك نهجه في كتابه و”من تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر” كما قال ابن الجوزي.

ماذا قالت كتب التاريخ عن الوالي الأموي خالد بن عبد الله القسري

أولا: اتهامه بالنصب

قال الذهبي: (خالد بن عبد الله القسري الأمير: ناصبيٌ سبّاب)، وقال في موضع آخر: (صدوق؛ لكنه ناصبي جلد)، وقال أيضا: (صدوق؛ لكنه ناصبي بغيض، ظلوم. قال ابن معين: رجل سوء يقع في علي). ثم تجده في موضع ثان يقول: (وكان جوادا ممدحا، معظما، عالي الرتبة، من نبلاء الرجال، لكنه فيه نصب معروف).

ويقول الدكتور بندر الهمزاني حول اتهام الذهبي لخالد القسري بالنصب وسب علي رضي الله عنه: (ما ذكره الذهبي قد وجدته في خبرين رواهما ابن عساكر من طريق الفضل بن الزبير قال: سمعت خالدا القسري وذكر عليا فذكر كلاما لا يحل ذكره. ومن طريق عبد الله بن أحمد قال: سمعت يحيى بن معين قال: خالد بن عبد الله القسري كان واليا لبني أميه، وكان رجل سوء يقع في علي بن أبي طالب” وعلى كثرة ما طالعته في اعداد هذا البحث من مصادر ومراجع لم أجد سوى هذين الخبرين المذكورين عند ابن عساكر، وعنه انتشرا واشتهرا ..)[1]. وكلا الروايتين لا اسناد لهما، بل الراجح أن هذه الروايات تعتمد في اساسها على أزعومة ” سب علي على المنابر على عهد الأمويين” وقد بين الدكتور طه الدليمي تهافت هذه الاكذوبة في إحدى حلقاته على قناة اعلام التيار السني في العراق. أما اتهامه بالظلم والجور فلإنه أرسل سعيد بن جبير الخارجي إلى الحجاج وهذا الفعل الذي يعدونه خطيئة لخالد القسري هو منقبة يشكر عليها، فسعيد بن جبير كان ممن يرى رأي الخوارج ويدعو للخروج على الخليفة، رغم إحسانه إليه. إذن هو قتيل الشرع والقانون كما قال الدكتور طه الدليمي.

ثانيا: اتهامه في دينه وزعمهم أنه بنى كنيسة لأمه النصرانية

مصدر هذه التهمة هو كتاب الأغاني للشعوبي أبو الفرج الاصفهاني وقد نقلها عنه ابن خلكان بينما لم يذكرها المتقدمون في ترجمتهم للقسري. ويفند الدكتور بندر الهمزاني هذه التهمة فيقول: (وهذا منتهى السخف على الحقيقة؛ لأنه لا يعقل ولا يمكن أن يتصور عاقل بأن يقبل المسلمون آنذاك هذا من خالد؟ كما لا يمكن ولا يتصور عاقل بأن يفعل خالد هذا ثم لا ينقله سوى أبو الفرج في أباطيله وتخاريفه التي لا يعرفها غيره. وهذا خبر عن كنيسة في ظهر قبلة المسجد وفيها ضرب بالناقوس، يعني أنها لم تكن شيئا خافيا، بل كانت معلنة مسموعة للقاصي والداني، فما الذي منع كافة الناس عن نقل هذا الخبر؟ وتركه للأصفهاني المتهم بالكذب لينفرد به دون العالمين؟)[2].

إن هذا التشويه الممنهج الذي طال كل ما يمت للتاريخ الأموي بصلة يجعلنا ندرك مدى أهمية ما يدعو إليه الدكتور طه حامد الدليمي من تجديد في الكتابة التاريخية العربية على أساس الهوية السنية؛ فهذا المطلب الحضاري يفرضه واقع المجتمعات العربية الذي بات في حاجة إلى وعي فكري وتاريخي جديد ينظر للتاريخ من خلال مشكلات العصر، لننتقل بالتاريخ من مستوى البحث في مظاهر الأحداث إلى محاولة فهم دوافعها الكامنة حتى لا يستمر الشعوبيون في نخر ثقافتنا برواياتهم المسمومة فيشكلوا من خلالها معرفتنا التاريخية كما يشتهون.


[1] خالد القسري حياته وتاريخه

[2] ترجم كل من ابن قتيبة وابن حبيب وابن الكلبي لخالد القسري وذكروا أنه من أبناء النصرانيات ولم يذكروا شيئا عن بنائه كنيسة لأمه.


أسطورة رفع المصاحف في معركة صفين

 


كانت أدوات ووسائل الكتابة في عصر الصحابة بسيطة للغاية، فقد كان الناس يستخدمون لتسجيل أشعارهم وعهودهم ومواثيقهم ومواعظهم وسائل مختلفة من الأحجار والرقاع والجلود والأخشاب وما إلى ذلك مما يصلح للكتابة من الأشياء المتوفرة لديهم، وذلك لندرة الورق، وهي أيضا الوسائل التي استخدمها الصحابة لكتابة القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بقليل.

عندما جُمع القرآن الجمع الثاني في عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه لتوزيعه على الامصار بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية كانت النسخ التي تم توزيعها للمصحف العثماني قليلة، قال أكثر المؤرخين بأنها سبع نسخ، نتيجة لقلة وسائل الكتابة آنذاك.

نسخة كاملة من المصحف المنسوب لعثمان بن عفان رضي الله عنه المحفوظ بالقاهرة بالمشهد الحسيني.

يقول الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري في تعريف ووصف هذا المصحف: (هذا المصحف نسخة من المصاحف الستة التي نسخت بأمر عثمان رضي الله عنه ثم أرسل أربعةً منها إلى الأمصار، وبقي اثنان منها في المدينة. ويتكون هذا المصحف من 1087 ورقة من الرق من القطع الكبير، وقياسها 57سم ×68 سم، وعدد الأسطر 12 سطراً، وارتفاعه 40 سم، ووزنه 80 كجم، ومكتوب بمداد داكن، وبخط مكي يناسب القرن الهجري الأول، خال من النقط والزخارف الخطية، وتوجد فواصل بين السور عبارة عن رسوم نباتية متعددة الألوان.)[1]

كتبت هذه النسخة على الرِق “ويتميز الرق عن بديله ورق البردي أو ما كان يسمى القرطاس آنذاك بالمتانة لمقاومته البلي والتمزيق ولسطحه الأملس المناسب للكتابة. يتراوح ثخن الرق بين الـ 0,3 و 0,5 مليمتر. وبذلك تكون المصاحف سميكة جداً بالمقارنة مع المصاحف الورقية التي نتداولها اليوم، ويذكر أن المصحف الحجازي المجموع في مجلد واحد المحفوظ في جامعة توبينجن الألمانية يبلغ سمكه ما يزيد على الـ13 سم لمصحف مؤلف من 450 صفحة!

وتقول المصادر الغربية بأنه لم يعثر على مصحف كامل مكتوب على البردي. وذلك لأن المسلمين كغيرهم فضلوا الرق على القرطاس لكتابة المصحف الشريف.”[2]

أسطورة رفع جيش معاوية رضي الله عنه المصاحف على رؤوس الرماح

يقول غوستاف لوبون في كتابه فلسفة التاريخ: “ينشأ أحد مصادر الخطأ الكبرى في تفسير الحوادث الماضية عن محاولة المؤلفين إيضاح الوقائع بأفكار الحاضر بدلا من تقديرها وفق أهواء كل زمن ومشاعره المتقابلة”. فالنظر في الوقائع التاريخيةبأفكار الحاضر، بل وبعيدا عن سياقها أفسد فهمنا للتاريخ وصنع تفسيرات عوجاء للأحداث ومنح الفرصة لكل متصيّد دعيّ يبتغي بث دجله ودسائسه في دواوين التراث كما يشاء.

وأسطورة رفع جيش معاوية رضي الله عنه المصاحف على رؤوس الرماح من الروايات التي رغم خلل متنها وفساد معناها المخالف للواقع التاريخي الثابت إلا أنها راجت وشاعت وتشبّع بها العقل الجمعي السني حتى النخاع وهي حلقة في سلسلة طويلة من الدسائس والاكاذيب الشعوبية التي امتلأت بها دواوين التاريخ!

متن الرواية:

تقول الرواية أن جيش معاوية رضي الله عنه قد رفع المصاحف على أسنّة الرماح في الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما سنة 37 هجرية، بل وذكرت أيضا أن عددها نحو ثلاثمائة مصحف!!

التفكير كفعل يعتمد على تفعيل ملكة النقد وإعمال العقل؛ وهذه الرواية فساد متنها يكفي لإسقاطها فكيف يقبل العقل أن تكون المصاحف بهذه الوفرة في تلك الفترة، أضف إلى ذلك فإن حجم المصحف كاملاً لا يمكن حمله على رأس الرمح بسهولة. وقد مر آنفا ذكر حجم المصحف الذي نسخ من المصحف العثماني الذي وزع على الأمصار.

وقد يقول قائل ربما كانت هذه المصاحف التي رفعت هي أجزاء من القرآن لا القرآن كاملاً، وحتى هذه غير معقولة فكيف يمكن أن يرفع العسب والألواح والأكتاف والرق على رأس الرمح لأنه إن كان قرطاسا أو رقاً فسيتلف نتيجة خرقه بالرمح أو السيف، وإن كان غير ذلك من الالواح والعسب فكيف سيستقر على رأس الرمح!

سند الرواية:

جميع روايات رفع المصاحف لا تثبت سنداً.  فقد ساق ابن جرير الطبري كل روايات معركة صفين -عدا روايتين – عن بي مخنف لوط بن يحي، وهو شيعي محترق، ويحيى بن أبي حية الكلبي (أبو جنابٍ الكلبي) شيعي متروك. 

أما الروايتان اللتان ذكرهما ابن جرير عن غير أبي مخنف ويحيى الكلبي: فالرواية الأولي جاءت عن أبي بكر الهذلي الذي قال عنه ابن حجر (إخباري متروك الحديث) بينما الرواية الثانية التي جاءت عن الزهري فيها علتان: الانقطاع في الإسناد بين الزهري وبين صعصعة بن صوحان ونكارة المتن.

دراسة التاريخ دون إدراك لخطر الدسائس الشعوبية سيجعل من تاريخنا مسخا مشوها في أعيننا، وأمر آخر لا يقل خطورة عن دسائس الشعوبية لا بد من ذكره وتكراره وهو أن شيوع مثل هذه الروايات في حق بعض الصحابة ليس إلا لكونهم في العقل الجمعي للأمة خصوماً لعلي رضي الله عنهم أجمعين، وقد سمى الدكتور طه حامد الدليمي هذه الظاهرة العجيبة: التشيع الثقافي (وأحد مظاهره الميل الزائد إلى علي وابنائه وذريته ويجعل صاحبه يبالغ في فضله ومنزلته فيتساهل في قبول ما يروى في هذا الجانب وإن تعارض مع النقل والعقل والتاريخ، وقد يجره ذلك إلى التساهل في التعامل مع مرويات أخرى ذمت خصومه، وربما زاد فتنقص منهم)[3].

2023/8/25


[1]  الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري. إطلالة على المصحف المنسوب لعثمان بن عفان بالمشهد الحسيني بمصر

[2] خالد عبدالله، الرَّق – مادة المصاحف الحجازية

[3] د. طه حامد الدليمي، شقوق في جدار السنة

نقط المصحف شاهد على الجهود الاصلاحية للحجاج بن يوسف الثقفي

 


كتب القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه خاليا من الشكل والإعجام[1]، ولم يخش عليه من الالتباس؛ لأن العرب يدركون القرآن بسليقتهم، وأرسلت النسخ المكتوبة إلى الامصار ونسخوا على غرارها مصاحف كثيرة خالية من النقط والشكل. وخلال تلك الفترة توسعت الدولة الإسلامية، ودخلت أممٌ كثيرة لا تتكلم العربية في الإسلام؛ ففشت العُجمة بين الناس، وكثر اللحن، حتى بين العرب أنفسهم؛ بسبب مخالطتهم لغيرهم من العجم وبدأ يظهر اللحن رويدا رويدا. ولما كان المصحف غير منقوط خُشي عليه أن يتطرق له اللحن والتحريف. “وكان أول من التفت إلى نقط المصحف الشريف هو زياد بن أبيه؛ ولذلك قصة، وهي: أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زياد عندما كان واليًا على البصرة (٤٥-٥٣هـ‍) أن يبعث إليه ابنه عبيد الله، ولما دخل عليه وجده يلحن في كلامه، فكتب إلى زياد يلومه على وقوع ابنه في اللحن، فبعث زياد إلى أبي الأسود الدؤلي يقول له: (إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت مِن ألسنة العرب، فلو وضعت شيئًا يُصلح به الناسُ كلامَهم، ويعربون به كتاب الله). فاعتذر أبو الأسود فلجأ زياد إلى حيلة؛ بأن وضع في طريقه رجلا وقال له: إذا مرّ بك أبو الأسود فاقرأ شيئًا من القرآن، وتعمد اللحن فيه. فلما مرّ به قرأ قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، بجرّ لام رسوله، فشق ذلك على أبي الأسود، وقال: (عزّ وجه الله أن يتبرأ من رسوله). وقال لزياد: (قد أجبتك إلى ما طلبت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن)”[2].

استمر بعد ذلك اهتمام ولاة وخلفاء الدولة الأموية بالقرآن الكريم من خلال اهتمامهم بالكتابة العربية فبذلوا الجهود لضبطها والمحافظة على قراءة العربية وبخاصة القرآن الكريم بصورة صحيحة. وقد برز الحجاج بن يوسف الثقفي في هذا الجانب فكان لإصلاحاته اللغوية أبلغ الأثر في المحافظة على كتاب الله من اللحن والتحريف والتصحيف.

 دور الحجاج بن يوسف الثقفي في ضبط الكتابة العربية

أولى الحجاج عناية خاصة بالقرآن الكريم وليس ذلك بالأمر الغريب فقد نشأ وتأدب في كنف والده الذي كان يعلّم أبناء الطائف القرآن، وهو من سادات ثقيف واشرافها، كما أن الحجاج أيضا عمل بعد أن شب في تدريس القرآن وتعليم العربية، ثم أنه – رحمه الله – كان محبا للقرآن يكثر من قراءته والاستشهاد به في خطبه. وعرف عنه أن كان يقدّر أهل القرآن ويكرم حفظته.

وقد ذكرت آنفا أن والي العراق في خلافة معاوية – رضي الله عنه – زياد الثقفي كان أول من تنبّه لخطورة اللحن والتصحيف في ذلك العهد المبكر؛ فقام بتكليف الدؤلي الذي وضع النقط التي تميّز الحركات والتنوين؛ لكن هذا الضبط لم يكن كافيا فاستمر اللحن والخطأ.

أدرك الحجاج خطر استمرار هذا اللحن والتصحيف وما قد يسببه من فرقه وخلاف بين جماعة المسلمين. وقد أورد ذلك العسكري في كتابه شرح ما يقع فيه من التصحيف والتحريف وبين أنه لما:” كثر التصحيف وانتشر بالعراق، فزِع الحجاج إلى كُتّابه، وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشْتَبِهةِ علامات.”[3] وفي موضع آخر ذكر أن إعجام القرآن تم في عهد الحجاج وقد أدى بذلك خدمة عظيمة للغة العربية، وساعد في تطور الكتابة العربية ونحوها وآدابها. ومن جهوده أيضا تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.

إن هذا الجهد المبذول في الإصلاح اللغوي وضبط قراءة القرآن الكريم ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة من الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والزراعية التي قام بها الحجاج إبان ولايته على العراق والمشرق. وبذلك ندرك أن تاريخ أعلام الإسلام كُتب بأيدٍ مختلفة التوجّه، وقراءة هذا التاريخ دون إدراك لهذا الأمر سيجعل سيرة هؤلاء الأعلام مشوهة في أعيننا، لذا لا بد لمن يريد الإفادة من دواوين التاريخ أن يفتح عينه ويستحضر وعيه أمام كل سطر كتب، فيطالعه بوعي ويقظة وحذر؛ ولا يكون ذلك إلا من خلال قراءة واعية لا تخضع للأحكام المسبقة التي غرست في الوعي الجمعي للأمة تجاه الكثير من الشخصيات التاريخية العظيمة.


[1] الاعجام في اللغة: إزالة الإبهام، أَعجَم الكتاب: أزال عُجمته وإبهامه بوضع النقط على الحروف لتمييز الحروف المتشابهة كالتاء عليها نقطتان، والياء تحتها نقطتان ونحو ذلك.

[2] محمد سالم العوفي، تطور كتابة المصحف الشريف وطباعته.

[3] الحسن بن عبدالله العسكري، شرح ما يقع فيه من التصحيف والتحريف.

الأربعاء، 20 سبتمبر 2023

رواية الأحذية الايطالية .. رواية الاحداث غير المتوقعة

 


وقع اختياري عليها نتيجة لترشيح أخي الذي قرأها بناء على توصية " قارئ متميز " على حد قوله -لاحقا عرفت القارئ المتميز الذي كان يعنيه، الحق أنه كما قال متميز ويمكن أن آخذ بتوصياته - وكانت بدايتي معها في أروقة المستشفى حين كنت مرافقة لوالدتي في تلك الليلة الصيفية الباردة جدا؛ أجل صيفية باردة ، فليس في أروقة المستشفيات إلا البرد والسكون.. وأظن أنه خيّل لي أن برودة الطقس في الرواية قد تسللت إلى أجواء الغرفة التي كنا ننتظر فيها؛ وأعيننا ترقب انتهاء المحلول الوريدي الذي غرزته الممرضة في يد والدتي لتخفض حرارتها..

بقيت الليل بطوله غارقة في الفصول الأولى للرواية التي كان ايقاعها بطئ وسردها ساحر لدرجة أني لم أتوقف إلا عند بزوغ الفجر الذي لم أشعر به إلا من التلفاز عندما رفع المؤذن علي ملا صوت الآذان ليبث الحياة في صالات الانتظار وغرف المرضى. 

تلك الحركة الخفيفة التي تبهج النفس لتزعزع هذا الصمت البارد إلا من أصوات أجهزة القلب التي تعزف سيمفونيتها بانتظام يخشى المرء اختلاله ..

يملئ الرواية الكثير من المشاهد الشتوية الكئيبة التي هي من صلب يوميات القاطنين في تلك المناطق النائية. ومن خلال الوصف الساحر تستطيع الشعور بحالة الطقس والانغمار في حالة الشخصيات المزاجية، ومجاراة مفاجأت الكاتب في صنع الاحداث غير المتوقعة التي أثرت الرواية في نظري ومنحتها حيوية تنفي عنها الملل والرتابة ... 

رواية تستحق القراءة على مهل ..


الخميس، 24 أغسطس 2023

مراجعة رواية ميلان كونديرا (كائن لا تحتمل خفته)



 احترت كيف أصف شعوري تجاه هذه الرواية، فحينا أقول: لم ترق لي حكاية الشخصيات الرئيسة و حينا آخر أرى أنها رائعة جدا فقد أثبت كونديرا أنه يستطيع أن يملئ وقتك بالكثير من الاسئلة المثيرة، ويشغل تفكيرك حتى بعد اتمام الرواية ببعض المشاهد والاسئلة التي لم ينهيها انتهاء الرواية..

الحقيقة أني أعجبت جدا باسلوبه الفلسفي غير الممل وكيف انه استطاع أن يحمي السرد العميق من الرتابة  ،لكن أيضا ولا بد أن أذكر هذا لم تعجبني تفاصيل الفكرة التي طرقها .. لكنه على أي حال استحق أن يحصل على مكانه كروائي مفضل لدي.. وأتوق حقا لقراءة أعماله الاخرى.. 

 ****

أروع اقتباس من الرواية ولازال صداه يتردد في ذهني:

 "الحياة الانسانية لاتحدث إلا مرة واحدة ، ولن يكون في وسعنا أبدا أن نتحقق أي قرار هو الجيد وأي قرار هو السيء، لأننا في كل الحالات لا يمكننا إلا أن نقرر مرة واحدة .. لأنه لم تعط لنا حياة ثانية أو ثالثة أو رابعة حتى نستطيع أن نقارن بين قرارات مختلفة .”


صفحات مشرقة من تاريخ أمير المشرق.. خالد بن عبدالله القسري

  عند القراءة في التاريخ الإسلامي تجد أن الأفكار المسبقة والانحيازية والأنماط الجامدة قد تسللت إلى مختلف النصوص التاريخية ومثالاً على ذلك م...