تكبر حماستك لتلك الراوية التي أشاد بها أدباء كبار، وحين تقرر قراءتها تجد أنك تسابق الوقت للبدء وما أن تستقر بين يديك حتى تمنحها الكثير من التركيز والاهتمام لتحظى بوقت ممتع بصحبتها..
وحين لا تجد ما ظننت أنك ستجده، وتكتشف أنك خدعت بذاك البريق المزيف الذي صنع لتلك التحفة التي هام بذكرها القراء والأدباء على السواء ، ستشعر أن الخيبة قد أوقعت سقف توقعاتك العالي على رأسك ..!
لكنهم كالوا لها المدائح ومنحوها منزلة رفيعة حد أن جعلت الأب الروحي لروايات الأدب الروسي، هل من سر مخبأ لم أراه، أين الميزة التي لم أجدها!!
يردد البعض هذه الأيام عبارة "كفاية خوف من المجتمع اعترف أن…" وينثر اعترافه بين يدي المجتمع ولسان حاله يقول ليضرب المجتمع بذوقه عرض الحائط :) ، و بهذه الطريقة الساخرة اقول انا أيضا … وبلا اعتبار لـ رأي عمالقة الأدب وكبار النقاد.. رواية المعطف عادية جدا، فلما كل هذا الزخم الذي حصلت عليه!!
ندخل الآن للمراجعة بعد أن افرغت غضبي في رأي الغالبية الذي خدعت به ..
رواية المعطف من الروايات القصيرة التي يمكن أن تنهيها في جلسة واحدة، للروائي نيقولاي غوغول، وهي عبارة عن سيرة ذاتيّة لحياة "أكاكي" الذي كان موظّفا بسيطا ،وقد كانت وظيفته النّسْخ ، وكان ولوعا بهذا العمل لدرجة أنه يأخذ ما يتبقّى له منه إلى المنزل ليؤنس
به بقية وقته قبل ان يخلد للنوم ..
كان لـ أكاكي وهو اسم الشخصية الرئيسة في الرواية معطف رث أكل الدهر عليه وشرب، وراتبه الذي يبلغ اربعمائة روبل لا يسمح له بشراء معطف جديد...ثم يسترسل غوغول فيوصف بؤس أكاكي ومعاناته التي ستبدأ بحلول الصقيع ضيفا قاسيا على أجواء روسيا. ليبدأ الجزء الأهم في الرواية وهو معاناة اكاكي في توفير سعر المعطف الجديد،ثم سعادته ومشاعره تجاه هذا المعطف الذي عانى كثيرا ليحصل عليه : "كان اكاكي اكاكيفيتش يسير في اشد مشاعره ابتهاجاً واحتفالاً، وكان يحس في كل ثانية من الدقيقة ان على كتفيه معطفه الجديد.. وضحك بسخرية عدة مرات خِلسة؛ من فرط سروره الداخلي. ففي الواقع فائدتان: الاولى كونه دافئا والاخرى كونه جيداً".
كانت النهاية بائسة جدا كما كان جو الرواية وكما كانت البداية أيضا! فبعد أن منح المؤلف اكاكي رثاءً يليق به، ثأر من الظلم الذي قتله والبيروقراطية التي أضاعت حقه لمجرد أنه فقير لا يملك ما يدفع عنه ضعفه! وصنع من الشبح عقوبة عادلة للطغيان.
لقد جعل غوغول من هذا المعطف رمزا لكرامة المواطن الفقير التي ضاعت تحت وطأة الظلم الاجتماعي والبيروقراطية المقيتة .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق