“اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس” تنسب هذه المقولة إلى “جوزيف غوبلز” مهندس الدعاية الألمانية إبّان حكم هتلر، وصاحب نظرية التأطير وصناعة الكذب. لكن هذه النظرية التي تستخدم للتضليل الإعلامي وتزييف الوعي لدى الجمهور لم تبدأ مع غوبلز؛ فقد سبقه الفرس إلى هذه الصناعة، ومن يقرأ التاريخ الماضي للقوم قراءة واعية سيدرك أن ” الكذب هو الشعار القومي لـ الفرس إلا من صهرهم الإيمان أو بقيت في نفوسهم بقية من عناصر الفطرة الأصيلة[1]“.
لقد مارس الفرس عبر التاريخ صناعة الكذب والتضليل الإعلامي فحاولوا في سلسلة متواصلة من الأكاذيب وحملات التضليل خلق تاريخ حضاري لهم أسوة بالأمم الأخرى، فكان أن تسلطوا على انجازات ومفاخر أمة العرب؛ الأمة التي ابتليت بجوارهم. ومن مآثر هذا الكذب الممنهج والحملات المضللة إيهام الذهنية العربية أن كل من تسمى أو انتسب إلى بلد غير عربي فهو أعجمي، ولم يقف تزويرهم عند هذا الحد بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك فنسبوا كل أعجمي من علماء الحضارة العربية إلى الفرس حصرا بزعم أن خراسان هي أرض العلم والعلماء وأن الخراسانيون فرساً! رغم أن خراسان الإيرانية لا تشكل إلا ما يقارب جزء واحدا من مجموع خمسة أجزاء من مساحة ولاية خراسان التاريخية!
حدود خراسان التاريخية
قسم الجغرافيون العرب خراسان إلى أربعة أقسام رئيسة عرف كل قسم منها باسم عاصمته وهي:
مرو ، ونيسابور، وبلخ، وهراة. وتعتبر هذه المدن الأربع أهم مواطن استقرار العرب بعد الفتح الإسلامي. ويمكن التوسع بأرض خراسان لتشمل بلاد ما وراء النهر”جيحون” وسجستان وطبرستان وجرجان عند النظر إلى واقع الإدارة السياسية حيث يدير الوالي في أحيان كثيرة شؤون عدد من الأقاليم من ” مرو” التي كانت هي العاصمة لخراسان حتى قام الطاهريون بنقلها إلى نيسابور ( 205-259)[2] .
إذن ولاية خراسان الإسلامية تشمل جغرافيتها اليوم عدة دول فهي تحتل منطقة واسعة من جمهورية تركمانستان تعادل أكثر من نصف مساحة الجمهورية، كما تحتل شمال غرب أفغانستان وأجزاء ليست بالقليلة من جمهورية قرغيزيا، بينما تشمل كل مساحة جمهورية طاجكستان الحالية إلى حدود الصين وأكثر من نصف مساحة أوزبكستان إضافة إلى أجزاء من شمال شرق إيران.
الشعوب الخراسانية وعلاقتها بالفرس
قبل الحديث عن أعراق خراسان لا بد أن نأخذ لمحة تاريخية قصيرة عن سياسة بني أميَّة في توطين العرب بخُراسَان وبلاد ما وراء النهر وما أدَّتْ إليه هذه السياسة من اختلاط العرب بالسكَّان، وامتزاجهم بأهل البلاد الأصليين، والارتباط بالأرض.
لم يكن للجيوش الإسلامية بقوادها الأفذاذ، وفرسانها الأبطال أن تطوي تلك البلاد في حركة سريعة بل كان لا بد من النضال الطويل ولا بد من نسج صلات متينة لا تتم من خلال الفتح بل بتوطين العرب في تلك الأماكن النائية عن مقر الخلافة. وقد كان من بين شروط الصلح التي تواضع عليها المسلمون وأهل خراسان أن يُفسح الخراسانيون للعرب في السكنى وعمد قتيبة بن مسلم إلى إنزال العرب في وسط البلدان فيما وراء النهر ، ولعل سياسة الدمج التي اتبعها قتيبة قد جاءت نتيجة لرؤيته الاجتماعية والحربية من حيث عدم تعصبه للعرب ورغبته في الاعتماد على العنصرين العربي والتركي في حالة النفير.
وقد اصبحت بخارى ، وسمرقند ، وخوارزم، وغيرها من بلاد ما وراء النهر منارات لنشر الإسلام ومراكز للثقافة العربية في آسيا الوسطى كما كانت “مرو” و ” نيسابور” في خراسان، فالاختلاط بين العنصرين العربي والعجمي أفاد بلا شك من ناحية التعريب ونشر الإسلام في تلك البلدان؛ وإن كان قد أدى فيما بعد إلى ضعف العرب ابتداءً من نسبتهم إلى المدن والقرى بدلاً من القبائل[3]، وهو ما كان يحذر منه الفاروق رضي الله عنه وانتهاء بطغيان الأجناس الأخرى واختفاء الصورة العربية[4].
والآن نعود إلى أعراق خراسان قبل الفتح الإسلامي، والتي حاول دهاقنة الفرس أن يزوّروا حدودها في العقل العربي ليتسنى لهم نسبة كل العلماء والرواد الذين برزوا من خراسان لغير العرب وفي الوقت نفسه يوهموا شعوب المنطقة بفارسية خراسان التاريخية، وبذلك يكون هؤلاء العلماء فرساً، لكن حقائق التاريخ وتضاريس الجغرافيا تردّان على مزاعم الفرس وأكاذيبهم فقد تعددت في هذا الإقليم التاريخي العرقيات ما بين التتار والقزح والبلوش والبشتون والأوزبك والترك إضافة إلى الفرس، وهذه الشعوب لا علاقة لها بالعرق الفارسي وإن تحدث بعضها باللغة الفارسية!
وبذلك ندرك أن دعوى فارسية خراسان ونسبة علماء الحضارة العربية إلى العرق الفارسي ضرب من القول لا يصمد أمام البحث العلمي والأثر الجغرافي.
________________________________________
[1] د.طه حامد الدليمي، التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية ، ص63
[2] د. عبدالرحمن الفريح، العرب في خراسان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي ، ص18
[3] كان عمر رضي الله عنه يوصي بأن لا يصبح العرب كنبيط القرى، إذا سُئل أحدهم عن نسبه قال: أنا من قرية كذا كما ورد في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص٢٧
[4] د. عبدالرحمن الفريح، العرب في خراسان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي ، ص146

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق