الثلاثاء، 14 يوليو 2020

أدومها وإن قل..جودة عدم الإنقطاع







 أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).
وهذا نص عظيم في الحث على الاستمرار والمثابرة في العمل، لكن أي عمل هذا الذي – وإن قل – فأنه أحب إلى الله ما دام العبد مواظبا على فعله؟ عند النظر إلى الحديث سنجد أنه لم يحدد نوعية الأعمال بل ذكرها بوجه عام، (أحب الأعمال) كل الأعمال سواء الأعمال الشخصية التي يقوم بها الفرد لنفسه وأسرته أو الأعمال المهنية والمجتمعية التي يؤديها تجاه مجتمعه وعالمه.

وإذا فهمنا هذا الحديث فهما صحيحا سندرك أن الاستمرارية في العمل مفهوم عميق في الإسلام وقد استدعيته في مفتتح المقال لأتخذ منه مدخلا للحديث حول مفهومي الالتزام والاستمرارية اللذين يكادان يكونان نقطة الضعف الأشهر لكثير من أعمالنا المؤجلة وأحلامنا المتنازل عنها!

معادلة النجاح: التزام وإنضباط

  سر النجاح في الحياة يكمن في القدرة على الاستمرار فهي التي تحدد من يصل ومن يتعثر في عقبات الطريق . وهي مهارة يمكن اكتسابها بتنمية الالتزام الذاتي والعمل الجاد والكثير من الصبر..

  تعبّر سمة الالتزام عن مدى إنضباط الفرد وميله لإتمام المهام الموكلة إليه على أتم وجه في الوقت المناسب؛ بمعنى أن تؤدي العمل الذي وعدت أن تقوم به، حتى بعد إنقضاء وقت طويل على الحالة العاطفية التي كنت فيها عندما قلت أنك ستؤديه. فغالبا عندما يطلب منا القيام بعمل ما أو البدء في مشروع معين فإننا نجيب في حماس وشغف ثم وبينما نمضي قدما في طريقنا للإنجاز تعترض طريقنا الكثير من المعوقات والتحديات فإذا ما أردنا أن نبقى صادقين مع أنفسنا فلا بد أن نفي بتلك المهام التي أوكلت إلينا وقطعنا العهد على إنجازها، لأن الالتزام يفرض علينا التعامل مع الظروف اللاإرادية وهذه الظروف مرتبطة بالزمن لا بنا وبإرادتنا، وهذا يعني أنها وإن استمرت لبعض الوقت فإنها لا بد زائلة، وحتى تلك الظروف الإستثنائية الدائمة سيدفعنا إلتزامنا على تحملها والالتفاف حولها والتعامل معها بكل سلاسة حتى إنقضائها أو التعايش معها واستئناف الاستمرارية والإنجاز.

  تعتمد الاستمرارية في أداء الاعمال بشكل كبير على رغبات الإنسان ودوافعه، فالرغبات القوية والدوافع التي يؤمن بها الفرد تبث في روحه طاقة عالية ومستديمة، تنبعث من إيمانه بما يقوم به وقناعته بأهمية دوره وشعوره بالمسؤولية تجاه كل ما يوكل إليه، لذلك أصحاب الرغبات القوية والدوافع السامية يتقدمون حين يتأخر غيرهم، ويواصلون المسير حين يتوقف الآخرون.



الحماس صديق جيد لكن لا يمكنك الوثوق به

 كلنا تعثر برفيق عمل يستلم المهمة نشيطاً وممتلئاً بالحماس الذي يدهش، ثم وحين تطول الرحلة، يستبطئ الحصاد ويتعجل تحقيق النتائج وقطف الثمار، يبدأ وهج ذلك الحماس بالخفوت وتبدأ الخطوات بالتباطؤ والتكاسل بل والانسحاب بحجة الظروف العارضة! فهل الظروف الخارجة عن الإرادة مبرر كاف للتنصل من الالتزام والهروب من إتمام العمل؟!

ما يحدث هو أن كثير منا يحدد أهدافه ويقبل الدخول في أعمال جديدة ومشاريع رائعة عند الشعور بالحماس فقط ؛ فتكون البدايات قوية ومنطلقة ومن ثم مع طول العهد تتراجع الإرادة ويتلاشى الحماس بل قد يدب اليأس نتيجة المرور ببعض الظروف السيئة وبالتالي ترك العمل وفي أقل الأحوال ركن المهام على رف الانتظار حتى تتحسن الظروف ويستعيد الحماس وهجه، بينما يفرض عليك الالتزام التعامل مع الظروف اللاإرادية متجاوزاً المبررات والأعذار التي قد يبتكرها الدماغ بشكل غير واعٍ للهروب من مواجهة المواقف الصعبة والركون إلى منطقة الراحة!
 الالتزام والاستمرارية يحلقان بأهدافك نحو الإنجاز، فأهم أسرار النجاح لا تكمن في الموهبة أو العبقرية بل في الاستمرار بقوة حتى النهاية رغم العقبات والعثرات التي ينبغي أن تكون درساً تأخذ منه عبرة لا مقبرة للطموحات !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صفحات مشرقة من تاريخ أمير المشرق.. خالد بن عبدالله القسري

  عند القراءة في التاريخ الإسلامي تجد أن الأفكار المسبقة والانحيازية والأنماط الجامدة قد تسللت إلى مختلف النصوص التاريخية ومثالاً على ذلك م...